عقب الأزمة العالمية في 2008 ولمواجهة حالة الاختناق في الاقتصاد العالمي الذي أصاب الجميع من كبرى المصانع والشركات الأمريكية إلى عمال النسيج الهنود مرورا بأسواق النفط التي تقودها السعودية ودول الخليج. دخل العالم في مرحلة التيسير الكمي أو ما يمكن تسميته بكل وضوح طباعة النقود لتحفيز الاقتصاد.
واعتبارا من 2009 وحتى 2016 كان معدل الفائدة قرب الصفر تقريبا، ثم ارتفع قليلا ليعود إلى الصفر مرة أخرى بين مارس 2020 و2022 حتى انتهى عصر الأموال الرخيصة وهو تعبير عن إمكانية الاقتراض من المصارف بسعر فائدة زهيد. والاقتراض بسعر فائدة زهيد يعني أنه بإمكان أي شخص شراء فيلا أو سيارة أو تمويل مشروع تجاري بتكلفة أقل.
في 2024؟
انتهى هذا العصر الذهبي للمستهلكين ولرواد الأعمال أيضا، وينتظر أن يكون 2024 عاما يتكيف فيه العالم مع نظام اقتصادي ليست الأموال رخيصة فيه، ولا وجود لحزم تيسير نقدي خلاله.
يراهن المستثمرون على أن الفيدرالي وستتبعه طبعا البنوك المركزية الخليجية وكثير من البنوك المركزية حول العالم خصوصا تلك التي ترتبط عملتها بالدولار سيقوم بخفض أسعار الفائدة بما يصل إلى 1.5% بحلول نهاية عام 2024، أي أن هذا سيترك أسعار الفائدة عند مستوى قريب من 4%، وهذا المستوى رغم أنه أقل من المستويات الحالية لكنه هو أعلى مما كان عليه طوال معظم الـ 20 عاما الماضية.
عند قيم فائدة تبلغ 4% ستظل السياسة النقدية تشكل عقبة أمام النمو، إذ ستتخطى ما يسمى المعدل المحايد الذي لا يتوسع الاقتصاد عنده ولا ينكمش.
في الاقتصاد الرأسمالي الحديث، يقوم كل شيء على أسعار الفائدة، من النمو الاقتصادي إلى أسعار الأصول المالية وتكلفة الاقتراض لشراء أي منتج معمر أو استهلاكي.
وتجعل أسعار الفائدة المرتفعة الأصول عالية المخاطر غير جذابة، مثل أسهم التكنولوجيا والعملات المشفرة، لأنه وبكل بساطة يمكن للمستثمرين الحصول على عائد معقول دون الاضطرار إلى تحمل أخطار كثيرة.
ويتوقع المستثمرون والمحللون أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة إلى انكشاف الشركات التي تم أخفت نقاط ضعفها الأساسية عبر سهولة حصولها على الأموال الرخيصة.
أما ما الذي سنتذكره عن عامي 2020 و2021 وهي فترة الأموال الرخيصة فهو الكثير جدا، الأهم كان الطفرة في شراء الأصول وعلى رأسها العقارات، أسهمت القروض العقارية بفوائدها المنخفضة جدا على ارتفاع نسبة التملك ونتيجة للطلب العالي، زادت أسعار المساكن والأصول الأخرى. ومن المفارقات العجيبة حقيقة أن كثيرا من اشترى سكنا في حقبة الفوائد المنخفضة حقق منزله فوائد أكثر مما حقق هو شخصيا.
قال أحدهم لـ “قيود” اشتريت فيلا صغيرة في شرق الرياض بمليون ريال في نهاية حقبة الفوائد المنخفضة أواخر 2021، ولأن راتبي 12 ألف ريال فقد حصلت خلال 2022 و 2023 على رواتب بلغ مجموعها 288 ألف ريال طوال 24 شهرا، لكن البيت الذي اشتريته كسب أكثر مني بنحو 4 مرات، اشتريته بمليون ريال وأصبح يساوي اليوم نحو 1.8 مليون.
وعلى مستوى الشركات الناشئة أدت أسعار الفائدة المنخفضة لتدفق الأموال إلى شركات ناشئة خاسرة كان ينظر لها على أنها مشروع عملاق جديد ينمو. كان المستثمرون يحصلون على الأموال بسهولة ثم يضخونها مباشرة في شركات ناشئة عبر جولات استثمارية مما أدى لنمو كبير لشركات لا تستحق أي اهتمام.