رأى الباحث الأمريكي بن غورتزل رائد الذكاء الاصطناعي العام (AIG) في مقابلة مع وكالة فرانس برس أجريت على هامش “قمة الويب” في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، أن الذكاء الاصطناعي قد يكون بديلا من 80 % من الوظائف” في السنوات المقبلة.
لكنه اعتبر أنه “أمر جيد”. وأثار الباحث ضجة هذا الأسبوع خلال “قمة الويب بعرضه الممرضة الآلية غرايس المصممة للاعتناء بكبار السنّ في دور رعايتهم.
والذكاء الاصطناعي العام (AIG) تكنولوجيا رئيسية تتمتع بقدرات معرفية بشرية، وهي قابلة للتطوير “في غضون بضع سنوات”. وهو أيضاً وراء منصة “سنغولاريتي نت” المخصصة للتطوير اللامركزي والمفتوح للذكاء الاصطناعي.
ولدى سؤاله عما ينقص لتطوير نظام ذكاء اصطناعي يتمتع بقدرات معرفية بشرية، قال إنه “إذا كنا نريد آلات بذكاء البشر نفسه فعلاً، وقادرة على الاستجابة سريعاً لما هو غير متوقع.
فيجب أن تكون هذه الآلات قادرة على أن تفعل أكثر بكثير مما هي مبرمجة لأجله. لم نصل إلى هذا الحد بعد. لكن ثمة أسباب تحمل على الاعتقاد بأن حدوث ذلك ممكن، ليس بعد عقود، ولكن بعد سنوات فحسب”.
“تشات جي بي تي” ليس خطيرا .. ليس قادرا على التفكير المعقد
أما عن الجدل في شأن “تشات جي بي تي” والآراء التي ترى ضرورة تجميد الأبحاث ستة أشهر، أوضح أن هذا الذكاء الاصطناعي ليس خطيراً.
إذ لا قدرة لديه على التفكير المعقد المتعدد الخطوات، على ما يفعل العلماء، ولا على ابتكار أشياء جديدة خارج البيانات التي يتلقاها.
لا يمكنه وضع خطط لكيفية التعامل مع مواقف جديدة، كجائحة كوفيد-19 مثلاً.
فقدان الوظائف ليس معضلة للبشر.. المشكلة في البداية فقط
وعن مخاطر حلول الذكاء الاصطناعي مكان بعض الوظائف خطراً شدد أن الزمن سيتجاوز 80% من الوظائف التي يتولاها البشر في ظل النُظُم الجديدة من نوع “تشات جي بي تي” المتوقع طرحها، لكن لا خطر في ذلك، بل حسنة.
إنه أمر جيد. سيجد الناس أشياء أفضل يقومون بها من الممكن أتمتة كل المهام الإدارية تقريبا”. وأضاف “ستتمثل المشكلة في المرحلة الانتقالية، عندما يبدأ الذكاء الاصطناعي في جعل الزمن يتجاوز الوظائف تباعا، ولا أعرف كيف سنحل المشاكل الاجتماعية الناتجة من ذلك”.
وقال إن المساهمات التي يمكن أن تقدمها الروبوتات التي تمتلك الذكاء الاصطناعي العام للمجتمع اليوم كبيرة، كالممرضة الآلية غرايس. ففي الولايات المتحدة، يشعر كثر من كبار السن بالوحدة في دور رعاية المسنين.
إذ إن تلقيهم الطعام والرعاية الطبية وتمكنهم من مشاهدة التلفزيون لا يكفي ليوفر لهم ما يحتاجون إليه اجتماعياً وعاطفياً.
لكنّ اعتماد روبوتات شبيهة بالبشر في هذه المراكز للإجابة عن أسئلتهم، والاستماع إلى قصصهم، ومساعدتهم على الاتصال بأبنائهم أو إجراء عمليات شراء عبر الإنترنت، يساهم في تحسين حياتهم.
تراجع وظائف العاملين في مجال السرد الصوتي
بدأ الذكاء الاصطناعي يحوّل عالم الكتب الصوتية، مع القدرة على إنشاء تسجيلات متسلسلة من دون الاستعانة في كل مرة بإنسان يتولى مهمة السرد بالصوت، في تطور يثير قلق العاملين في مجال التسجيل الصوتي الذي يسجل انكماشاً منذ سنوات.
تسجّل تانيا نصوصا بصوتها منذ عشرين عاما، ممتهنة هذه الوظيفة بدوام كامل. لكن خلال الأشهر الستة الماضية، تراجعت أنشطتها إلى النصف، شأنها في ذلك شأن الكثير من زملائها الذين تباطأت أعمالهم.
وتقول “من المنطقي أن الذكاء الاصطناعي يؤثر علينا”، و”أظن أن الخطة المستقبلية تقوم على استبدال موظفين بأنظمة الذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف”.
وفيما لا يوجد حالياً أي نسق معلن للكتب الصوتية المطورة بالذكاء الاصطناعية، غير أنّ أخصائيين في القطاع يؤكدون أن الآلاف من هذه الكتب المطورة بالاعتماد على قاعدة بيانات صوتية باتت موجودة في الأسواق.
ومن بين أكثر الخدمات تطوراً في هذا المجال، تتيح “ديب زن” تقنية يمكن من خلالها تطوير كتاب صوتي بربع القيمة المترتبة عن المشاريع التقليدية.
وتعتمد هذه الشركة الصغيرة التي تتخذ مقراً لها في لندن، على قاعدة بيانات أنشأتها من خلال تسجيل أصوات ممثلين مختلفين طُلب منهم التعبير عن مشاعر متنوعة.
وتتيح شركة “سبيتشكي” الناشئة التي تتخذ مقراً في تكساس، إضافة إلى أصواتها المسجلة مسبقاً، الاستعانة بأصوات موجودة في قواعد بيانات قائمة، وفق المدير العام ديما أبراموف الذي يوضح أن هذه الميزة الثانية تتطلب توقيع عقد يلحظ حقوق الاستخدام.
الذكاء الاصطناعي التوليدي.. بديل الأصوات والنصوص البشرية
لكن بحسب مهنيين قابلتهم وكالة فرانس برس، فإن العديد من الأسماء في مجال النشر التقليدي تستخدم بالفعل ما يسمى بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
وهي تكنولوجيا قادرة على إنشاء نصوص أو صور أو مقاطع فيديو أو أصوات، من دون تدخل بشري، اعتماداً على محتوى موجود.
وقالت ناطقة باسم شركة “أوديبل” العملاقة في مجال الكتب الصوتية، التابعة لمجموعة أمازون الأميركية، “لطالما كانت رواية القصص الاحترافية ضرورية للاستماع إلى أوديبل وستظل كذلك”.
وأَضافت “مع ذلك، مع تحسن التكنولوجيا، نتصور مستقبلاً يمكن أن يتعايش فيه التفسير البشري والمحتوى الذي يتم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
يستثمر عمالقة التكنولوجيا بشكل كبير في الذكاء الاصطناعي، ويشاركون في الاقتصاد المزدهر للكتب الصوتية التي تم إنشاؤها بواسطة هذه البرمجيات.
انتعاش صناعة الكتب الصوتية
في بداية العام، أطلقت “أبل” عرضا يشمل “سرد القصص الرقمية”، ويهدف، وفق الشركة، إلى “جعل إنشاء الكتب الصوتية في متناول الجميع”، ولا سيما “للمؤلفين والمستقلين والناشرين الصغار”. تقدم جوجل خدمة مماثلة، تصفها بأنها “للسرد الذاتي”.
ويقول كاميس تيلان “نحن بحاجة إلى تعميم صناعة النشر على أوسع نطاق، لأنه في الوضع الراهن، وحدها الأسماء الأكثر شهرة تتحول إلى كتب مسموعة”.
بدعم الأصوات الذكية.. 5 % من الكتب المنشورة في العالم ستتحول إلى صوتية
ويوضح ديما أبراموف أن “السرد الآلي للقصص يفتح الباب أمام جميع الكتب الموجودة التي لم تُسجل بالصوت، وجميع الكتب المستقبلية التي ما كانت لتتحول أبدا إلى كتب صوتية بسبب القيود الاقتصادية”، لافتاً إلى أن 5% من الكتب الموجودة حاليا تتحول “كتباً صوتية”.
ويلفت إلى أن نمو السوق سيفيد الممثلين الصوتيين، إذ “سيصنعون المزيد من التسجيلات ويكسبون المزيد من المال”. وتقول رئيسة جمعية رواة الكتب المسموعة المحترفين إميلي إليت إن “سرد القصص، في جوهره، هو السماح للبشر بإعادة الاتصال بإنسانيتهم”، معتبرة أن “رواية القصص يجب أن تظل بشرية بالكامل”. بالنسبة إلى تانيا إيبي، فإن سرد القصص باستخدام الذكاء الاصطناعي “يفتقر إلى الاتصال العاطفي. هناك فرق حقيقي مع التسجيلات الكلاسيكية، لكن بمرور الوقت، قد يعتاد المستمعون على ذلك. أعتقد أن الأمر يحدث بالفعل.
كتّاب السيناريو والمحتوى في مهب الريح
إذا كان السبب الرئيسي لإضراب كتّاب السيناريو في هوليوود يتعلق بالرواتب، فإن نزاعهم مع الاستوديوهات ومنصات البث التدفقي تؤججه أيضا فرضية يرون فيها إهانة لقدراتهم، هي فكرة إمكان حلول الذكاء الاصطناعي مكانهم قريباً.
فقدرة برامج من نوع “تشات جي بي تي” على محاكاة المحادثة البشرية، أثارت مخاوف في عدد من القطاعات في الآونة الأخيرة.
ونبّه البيت الأبيض هذا الأسبوع مسؤولي شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة إلى مسؤوليتهم “الأخلاقية” لحماية المستخدمين من المخاطر الاجتماعية المحتملة للذكاء الاصطناعي.
ويشكّل الموضوع هاجساً لدى كتّاب السيناريو الذين ينفذون إضراباً في لوس أنجليس، ورأى كاتب سيناريو فيلم “بيرد بوكس” (Bird Box) الذي حقق نجاحًا كبيرا إريك هيسرير أن “الفن لا يمكن أن يُصنع بواسطة آلة”. فالقصة تفقد بنظره “قلبها وروحها”، مذكّراً بأن الكلمة الثانية من عبارة “الذكاء الاصطناعي” هي “اصطناعي”.
وتؤكد نقابة كتّاب السيناريو الأميركيين أنها ضغطت خلال المفاوضات للحدّ من استخدام الذكاء الاصطناعي.
وطالبت النقابة بعدم إعطاء أي إنتاج آلي صفتي مادة “أدبية” أو “مصدر”، وهي مصطلحات أساسية تتعلق بحقوق المؤلف. كذلك سعت إلى منع استخدام السيناريوهات التي يكتبها أعضاؤها في تدريب برامج الذكاء الاصطناعي.
ومن بين كتّاب السيناريو تحدثوا لوكالة فرانس برس، يعتقد عدد قليل جداً أن برامج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون قادرة على القيام بعملهم.
لكنّ مجرد اهتمام الاستوديوهات ومنصات البث باستكشاف هذه القدرات الآلية في هذا المجال يشكّل بالنسبة إليهم جميعاً إهانة كبرى.
ويخشى هؤلاء أن يكون مسؤولو شركات الإنتاج مستعدين للتنازل من حيث النوعية الإبداعية سعياً إلى تعزيز الربحية، وقال المنتج السينمائي تود ليبرمان “في السنوات الثلاث المقبلة، ستشاهدون فيلماً من تأليف الذكاء الاصطناعي (…) وسيكون فيلماً جيداً”.
أما مدير شركة “فوكس إنترتينمنت” روب وايد فكشف أن دور الذكاء الاصطناعي لن يقتصر على النصوص، بل يمكن استخدامه في “توليف” الأفلام وفي مخططات قصصها أو ما يعرف بـ”ستوري بورد”. وتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي في غضون عشر سنوات “قادرا تماما على تولّي كل هذه المهام”.
ورأت مؤلفة مسلسل “بريدجرتون” الناجح ليلى كوهان أن الفائدة الوحيدة التي يمكن أن تكون للذكاء الاصطناعي في هذه المجال هي استخدامه في “مهام شاقة” أو عشوائية.
ومنها مثلاً اقتراح أسماء شخصيات لكنها أعربت عن خشيتها من أن تلجأ الاستوديوهات إلى إعداد مسودات نصوص أولية “سيئة جداً” بواسطة الذكاء الاصطناعي، “ثم تستعين بكتّاب سيناريو لإعادة صوغها”.