العالم الشبع من الخبز يبحث عن قمح المستقبل
يبلغ عمر سنبلة قمح ما زالت تُزرع في بيوت بلاستيكية تابعة لمجموعة ليماغران في وسط فرنسا نحو 10 آلاف عام” فهي سلف القمح الطري المُنتج حالياً، ويستخدمها باحثون لإنتاج السلالات التي ستصمد أمام تغيّر المناخ.
وتتحرك الأبحاث العلمية المدفوعة بمشاكل التغير المناخي وشح المياه والتقلبات المتطرفة في الأجواء وموجات الجفاف الجديدة نسبيا على أوروبا نحو إيجاد قمح المستقبل القادر على الصمود في وجه هذه التحديات في عالم تحصد حراثاته 1485 طن من القمح في الدقيقة الواحدة بإنتاج كلي يصل إلى 780 مليون طن سنويا وهي كمية جعلت الخبز أكسير الحياة في كل بيت تقريبا.
يحمل الباحث والمتخصص في مجال القمح منذ أربعين عاماً برنار دوبيرييه الساق الخضراء بتأنٍ. وهو يعمل منذ 20 عاماً في المجموعة العملاقة التي تعد رابع أكبر شركة لإنتاج البذور في العالم.
ويبحث في صناديق الحبوب المنتجة على مر السنين في مقر المجموعة عند سفح جبال “أوفيرن” البركانية للتوصل إلى وصفة تنتج قمحاً يقاوم الأمراض وقادرًا على الصمود أمام نقص المياه مع احتفاظه بمذاقه وخصائصه الغذائية. ويتعيّن إجراء مئات المحاولات للتوصل إلى مسار واعد.
البحث عن السلالة الأفضل.. قمح لا يمرض ولا يستهلك المياه
في البيوت البلاستيكية التي تُسمّى “النفق” حيث تزرع العشرات من الأصناف في مركز أبحاث في شاب بوسط فرنسا، يُكوّن برنار دوبيرييه مجموعته من القمح: هناك القمح الملتحي، والقزم، والأخضر أو المائل إلى الأزرق، والقاسي لصنع السميد أو المعكرونة، والطري لصنع الخبز. في الجزء السفلي من البيوت البلاستيكية، ينمو قمح يعود إلى العصر الحجري. وقال الباحث “إنه أحد أسلاف قمحنا”، حبوب حنطة صغيرة ولدت في بلاد ما بين النهرين وأدت عبر التزاوج مع بذور أخرى إلى انتاج القمح الطري الذي يُعدّ حالياً النوع الأكثر استهلاكاً في العالم إلى جانب الأرز.
وتجري نحو 400 عملية تزاوج كل عام. وتحدثت إليزابيت شانليو، مديرة الأبحاث عن عملية الفرز هذه، والتي تستغرق “عشر سنوات للتوصل إلى السلالة الأفضل”، وقالت “سنبحث عن أسلاف القمح ونجري لها عملية تزاوج مع أنواع آخر، لننشئ حوالي 80 ألف نسل، وتتطلب المهمة تحييد 80 بالمئة من هذا العدد، لاختيار الأفضل لصناعة الخبز والأكثر صموداً. ثم نزيد الانتاج ونُقيّم”.
وبهدف التقدم بشكل أسرع، طورت ليماغران “غرفاً للزراعة” وهي بيوت تتيح تسريع العملية عن طريق ضبط درجات الحرارة، وتناوب النهار والليل وكمية المياه المحتاجة. كذلك وفّر الباحثون الوقت بفضل “وسم الجزيئيات”، وهو تصنيف للجينات يجعل من الممكن تحديد أكثرها مقاومة وتسريع عملية الفرز. وقالت شانليو “هكذا نحصل على ستة أجيال خلال عامين بدلاً من جيل واحد في السنة”. وتُعتبر التحديات كبيرة وتمتد على مختلف حلقات زراعة القمح، من إنتاج البذور إلى صناعة الخبز. وقال رئيس المجموعة سيباستيان فيدال وهو نفسه مزارع “هذا البحث مسجّل في تاريخنا”. وأضاف “نحن عالقون هنا بين سلسلتي جبال بعيدتين عن موانئ الحبوب. إخراج حبوبنا كان أكثر تكلفة، لذلك راهنّا على خلق القيمة”.