معدل مرتفع للشركات العائلية في السعودية.. الأخطار قادمة من الجيل الثالث

“ما سمعته اليوم يوجب عليّ التحرك بشكل فاعل وسريع لمأسسة العمل وأتمنى أنني استمعت إلى هذا الحديث قبل 15 سنة” كان هذا ما قاله مالك شركة عائلية بعد جلسة خاصة للحوار حول المنشآت العائلية في السعودية. 

تعكس هذه المقولة الاهتمام بالحوكمة بين الشركات المملوكة لعائلات، والقلق من الصراع العائلي، والرغبة في التعلم من أخطاء الماضي، والمشاهد الحية لتفكك الشركات العائلية والصراعات القضائية بين أفرادها. 

دراسة حديثة قام بها المركز الوطني للمنشآت العائلية أشارت أن المنشآت العائلية تمثل 95% من المنشآت العاملة في السعودية وهو أعلى من المعدل العالمي حيث نسبة الشركات التي تسيطر عليها العائلات 70%، وفقا لتقديرات “فاملي بزنس نيتورك“ المؤسسة المتخصصة بالشركات العائلية. 

 

تجارب مختصرة لأصحاب شركات عائلية 

 

الإحصاءات العالمية تشير إلى أن 14% فقط من الشركات العائلية تصل إلى الجيل الثالث فيما فقط 4% تصل إلى الجيل الرابع. 

رجل الأعمال عبدالله العثيم أكد في لقاء تلفزيوني سابق أن خيار الحوكمة كان استراتيجيا لإبعاد مشاكل الورثة وعدم تأثرها بوفاة أو مرض المؤسس، لذا كان تحويل الشركة إلى مدرجة في السوق السعودية، وفصل الإدارة عن الملاك لضمان أعلى درجات الشفافية والحوكمة. 

عبدالرزاق بن داود المالك لمتاجر بن داود أكد أن دخول الشركة سوق الأسهم كان بهدف المحافظة على الشركة وتجنب مصير الشركات العائلية من الاندثار. 

وفي حديث سابق للخبير في حوكمة الشركات العائلية عبدالعزيز السبيعي وعضو مجلس إدارة «ماسك» للاستثمار أكد أن  ثروة الشركة تضاعفت ثلاث مرات بعد تنظيمها وحوكمتها. 

تقول التجارب إن الجيل الثالث يميل إلى تبديد أعمال وثروات جيل الآباء المؤسسين، وفي الصين يقولون “من وعاء الأرز يعود الجيل الثالث إلى وعاء الأرز” يشير هذا المثل إلى أن ثروة الأسرة التي بناها الجيل الأول، يتم تبديدها عادة عندما تصل إلى الجيل الثالث، مما يترك الأحفاد مرة أخرى عند نقطة البداية، والتي يرمز إليها بوعاء الأرز، أي من لقمة العيش البسيطة وإليها. 

يعمل الجيل الأول عادة بجد لبناء الثروة وخلق حياة أفضل للأحفاد تحت أنظار الجيل الثاني من أبنائهم. ولكن دون ضخ القيم المناسبة، وتخطيط الرؤية، والحوكمة، قد تفشل الأجيال اللاحقة في إدارة هذه الثروة والحفاظ عليها، مما يؤدي إلى ضياعها في نهاية المطاف. 

 

من أين يأتي الصراع بين الأجيال؟ 

 

التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة لم تعد تشكيل مشهد الأعمال فحسب، بل كان لها أيضا تأثير عميق على الأسرة والعلاقات بين الأشخاص. تراجعت القيم والهياكل العائلية التقليدية حتى في ثقافتنا الشرقية التي تنص على طاعة الوالدين والإخوة الكبار، بسبب التحضر والعولمة، وتتعرض الأجيال الشابة لأفكار وأنماط حياة جديدة. 

تعد النزاعات بين الأجيال أمرأ شائعا في الشركات العائلية، خاصة أثناء التحولات من جيل إلى جيل، عادة عند مرض المؤسس أو وفاته، إذ يمكن أن تنشأ هذه النزاعات بسبب الاختلافات في أسلوب الإدارة، والرؤى المتضاربة لمستقبل الشركة، والخلافات حول توزيع الثروة والملكية. 

يسعى أفراد الأسرة الأصغر سنا إلى قدر أكبر من الاستقلالية والتعبير عن الذات، وهذه أرضية خصبة أنبتت نزاعات الشركات العائلية. 

أهم التحديات تنشأ من الخلافات بين الأجيال خاصة بين الجيلين الثاني والثالث. ولكن لماذا يحدث هذا؟ وهل يقع اللوم على المؤسس أم على الجيل الجديد؟ أم على الاثنين؟ 

يشاهد الجيل الثاني عمل المؤسسين ويتأثر بهم ويسير على نهجهم في العمل وعلى القيم ذاتها ويشهد عادة مرحلة الانتقال من البساطة إلى الثراء، لذا فهو يعرف جيدا قيمة المال، بعكس الجيل الثالث الذي يولد وملاعق الذهب في يده وفمه، لم يتعب في البناء لذا لا يبالي كثيرا بالهدم. 

ماذا يقول المؤسس لجيله الثالث؟ 

لو كان للمؤسس أن يشاهد الأجيال من بعده تبدد عمله وثروته لقال لهم ” بذلت روحي في بناء العمل، خاطرت وقدمت التضحيات، عملت بلا كلل لتحويل رؤيتي إلى واقع. ونتيجة لذلك، أتوقع وأتمنى منكم أن تحترموا عملي الجاد، كان لي شرف أن أجعلكم ضمن المحظوظين في العالم على الصعيد المالي، يعيش البشر في ظروف صعبة ويعاني المليارات منهم الجوع والخوف والنوم في العراء، ألا يستحق كل هذا منكم أن تشكروني بأن تحافظوا على عملي وقيمي؟ 

ومن هنا نعود إلى حيث بدأنا كلامنا، حين قال القائل “ما سمعته اليوم يوجب عليّ التحرك بشكل فاعل وسريع لمأسسة العمل وأتمنى أنني استمعت إلى هذا الحديث قبل 15 سنة”.